أسباب جمع القرآن الكريم
قال تعالى في سورة القيامة: إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ والمعنى جمع القرآن في صدرك وإثبات قراءته على لسانك. وقد حفظ القرآن كثير منالصحابة أشهرهم: أُبي بن كعب وعبد الله بن مسعود ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب وغيرهم كثير.
لقد توفي النبي محمد صل الله عليه وسلم والقرآن محفوظ في الصدور، ومكتوب في الرقاع (الجلود) واللخاف (الحجارة الرقيقة) والعسب (جريد النخل) والأكتاف، لكنه مفرق ولم يرتب في مصحف واحد على عهد النبي محمد صل الله عليه وسلم. ويرجع سبب عدم جمع القرآن مرتبًا في مصحف واحد على عهد النبي محمد صل الله عليه وسلم، حرص النبي نفسه على عدم جمعه ترقبًا لنزول شيء جديد منه حتى وفاته، فلو أنه رتبه أولاً بأول وجمع بين دفتي مصحف واحد، لأدى هذا إلى كثرة التغيير والتبديل كلما نزلت عليه آية، وفي هذا من المشقة ما فيه.
جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق
تولي أبي بكر الصديق رضي الله عنه إمارة المسلمين من عام 11 - 13هـ، لمدة سنتين وبضعة أشهر، حيث بويع بالخلافة قبل دفن جثمان الرسول صلى الله عليه وسلم، وتوفي بالمدينة في شهر جمادي الآخرة سنة 13هـ.
واجهت أب بكر الصديق أحداث جسيمة، خصوصا ما كان من قبل أهل الردة، وما دار بعد ذلك من حروب طاحنة ومعارك عنيفة، خصوصا ما كان في موقعة اليمامة، حيث استشهد فيها عدد كبير من الصحابة، منهم أكثر من سبعين من قراء الصحابة، فاشتد ذلك على الصحابة، ولا سيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاقترح على أبي بكر رضي الله عنه أن يجمع القرآن الكريم؛ خشية ضياعه بموت الحفاظ وقتل القراء، فتردد أبو بكر لأول الأمر ثم شرح الله صدره لما شرح له صدر عمر رضي الله عنه، فكان هو أول من جمع القرآن بين اللوحين [1]، وكان أحد الذين حفظوا القرآن كله [2].
ويتضح ذلك من الحديث الصحيح الذي روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه وكان من كتاب الوحي، وقال فيه: "أَرْسَلَ إِلِيَّ أَبُو بكرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامةِ وعندهُ عُمرُ، فقالَ أبو بكرٍ: إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحرَّ [3] يوم اليمامةِ بالناس، وإِنِّي أخشَى أن يستَحرَّ القَتْلُ بالقرّاءِ في المواطن، فيذْهبَ كثيرٌ من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمعَ القرآن". قال أبو بكر: "قلتُ لعمرَ: كيفَ أفعلُ شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم".
فقال عمرُ: هو واللهِ خيرٌ. فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر. قال زيد بن ثابت: وعمر عنده جالسٌ لايتكلم، فقال أبو بكر: "إنك رجلٌ شابٌ عاقلٌ ولا نتهمك، كنتَ تكتبُ الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبلٍ من الجبال ما كانَ أثقلَ عليَّ مما أمرني به من جمع القرآن". قلتُ: كيف تفعلان شيئاً لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم. فقال أبو بكر: هو والله خيرٌ.
فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرحَ الله له صدر أبي بكرٍ وعمر. فقمتُ فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسُبِ وصدور الرجال، حتى وجدتُ من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحدٍ غيره: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} [التوبة: 128- 129]، إلى آخرهما، وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفّاه الله ثم عند عمر حتى توفّاه الله ثم عند حفصة بنت عمر" [4]. وعلى هذا، فقد بدأ جمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه سنة 12هـ.
جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان
اتسعت رقعة الأمصار الإسلامية في عهد عثمان بن عفان, وتفرق الصحابة في الأمصار يقرِئون الناس القرآن, وأخذ كل بلد عن الصحابي الذي وفد إليهم قرائته, وظهرت قراءات متعددة منشأها اختلاف لهجات العرب, ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام لغزو ثغور أرمينية وأذربيجان ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن, وأنكر بعضهم علي بعض ما يقرئون.
شهد ذلك حذيفة بن اليمان, فركب إلي عثمان وبلّغه الأمر فأرسل عثمان إلي حفصة بنت عمر يطلب المصحف لنسخه, وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام, فنسخوها وجعلوها كتابته علي لهجة قريش ثم أرسل عثمان النسخ إلي مكة والشام والبصرة والكوفة واليمن والبحرين, وأبقي عنده في المدينة مصحفا واحدا, فقضي علي الاختلاف بين بعض المسلمين.
وقد درج العلماء علي تسمية المصحوب المكتوب بأمر عثمان بمصحف عثمان أو المصحف الإمام.
أما عن أسباب أبي بكر الصديق في جمع القرآن فكان الخوف عليه من الضياع بموت حفّاظه بعد أن استحرّ القتل بالقرّاء, وأما عن أسباب عثمان بن عفان في جمع القرآن فكان كثرة الاختلاف في وجوه القراءة.
[1] راجع كتاب المصاحف لابن أبي داود: 1/165.
[2] تاريخ الخلفاء، ص: 44، نقلاً عن ابن كثير في تفسيره، والنووي في التهذيب.
[3] أي اشتد.
[4] البخاري، التفسير: 4311، فضائل القرآن:4603، الأحكام:6654، الترمذي، التفسير: 3028، أحمد، مسند العشرة:72، جمال القراء: 1/86، وانظر: تخريجه مستوفىً في كتاب المصاحف لابن أبي داود: 1/169-179، وراجع المقنع للداني:2-3.
المراجع : بتصرف من
موقع قصة الإسلام
موقع ويكيبيديا